مجموعة سعودي القانونية

عمرو خفاجى يكتب |  موظفون لا وزراء

عمرو-خفاجى

كشف التغيير الوزارى الأخير عن خلل جسيم فى فهم دور الحكومة وطبيعة عمل الوزراء. وعدم استيعاب الفهم السياسى لتشكيل حكومة، بالطبع كان موقف بعض المثقفين من ترشيح الدكتور أسامة الغزالى حرب هو الأكثر حدة، وهو أيضا الأكثر غيابا لفهم دور الوزير، وبدا الأمر كله وكأن وزير الثقافة هو وزير المثقفين، وليس الرجل المسئول عن إدارة شئون الثقافة فى البلاد، فإلى جانب الإرهاب الفكرى والقمع الذى مارسه البعض على رئيس الوزراء المكلف، فهو أيضا فضح الفئة الوحيدة التى كنا نعتقد أنها على دراية واستيعاب لدور الوزير وكيفية اختياره، فاكتشفنا أنهم الأبعد عن ذلك الفهم وتلك الدراية، والمدهش حقا أن يكون ذلك أيضا موقف أساتذة الجامعات، ومجلسها الأعلى الذى أصدر بيانا يعترض فيه على ترشيح أستاذ جامعى أسس جامعة خاصة، وكأن الوزير يدير شئون أعمالهم اليومية وليس المسئول عن وضع السياسات العامة ومتابعة تنفيذها، وهو فى واقع الأمر موقف شديد الغرابة وغير مفهوم وقاصر، حتى بدت عملية التشكيل الوزارى مثل عملية تعيين مديرين لموظفين لا اختيار ساسة للتعبير عن سياسات وآليات تعكس فكر الحكومة واتجاهاتها ورؤيتها.

ما حدث بشأن «الثقافة» و«التعليم العالى» حدث فى وزارات أخرى بصور مختلفة ولأسباب مغايرة (مثل دمج وزارة فى أخرى)، فشهدنا اعتراضات فى الآثار والتنمية الإدارية والرياضة والقوى العاملة وعدة وزارات أخرى، والمؤسف فى الأمر أيضا، أن بعض الفئات ذهبت لتطالب ببقاء وزيرها، مثل الفلاحين الذين ذهبوا للتمسك بوزير الزراعة، واتحاد طلاب المدارس الذى تمسك بوزير التعليم، وإذا أضفنا بعض الوزارات السيادية التى يختارها رئيس الجمهورية، فلا يمكن أبدا أن تعبر هذه الوزارة عن فكر الرجل الذى تم تكليفه بتشكيل حكومة، وبالتالى لا يمكن أبدا توقع أى إنسجام بين هذا الفريق الذى بالضرورة سيتشكل من عناصر غير مترابطة ولا متجانسة ولا تحمل ذات الأفكار، ولذلك، ومن دون تعسف، لا يمكن أن تقدم هذه الحكومة ما نتوقعه من أعمال أو إنجازات، وعلى الجميع أن يدرك أنه شارك فى جزء من هذا الارتباك وذلك التشوه، دون أن نعفى رئيس الوزراء المكلف من المسئولية.

المزعج فى الأمر، أن الدستور الجديد الذى وافق عليه الشعب باكتساح، يفرض علينا نظاما سياسيا شبه برلمانى سيكون فيه تشكيل الحكومات برعاية البرلمان أو الأحزاب التى تتمتع بالأغلبية، التى سيكون من حقها تعيين الوزراء وإقالتهم، ومن المفترض أن يكون المعيار الأساسى لاختيار الوزير، مدى توافقه مع سياسة وفكر الحزب الذى ينتمى إليه وقدرته على الدفاع عن سياسات وممارسات وزارته أمام البرلمان والرأى العام، وهى معايير بعيدة تماما عن المهارات الفنية والخبرات التقنية والأدوات التكنوقراطية، فماذا سيفعل وقتها الذين يرغبون فى اختيار الوزراء من كبار موظفى وزاراتهم، كما يحدث الآن، وكيف سيتقبلون رجل سياسة لا علاقة له بالطب وزيرا للصحة، أو شابا حديث التخرج لم يحصل على الدكتوراه ولا يدرس فى الجامعة وزيرا للتعليم العالى، أو رجل لم يشاهد فيلما فى حياته ولم يقرأ قصة أو رواية وزيرا للثقافة، بل ماذا سيفعل أهل الرياضة عندما يكون وزيرهم لا يعرف الفرق بين الأهلى والزمالك؟

من الواضح أن المشوار لدينا طويل حتى نفهم ما حدث من تغيرات سياسية فى بنية النظام، وندرك حقيقة ما كتبناه فى دستورنا وأيدناه لدرجة التقديس، ومن الواضح أيضا أن السنوات الطويلة التى ارتضينا فيها أن يكون الوزراء موظفين أثرت كثيرا فى الوعى العام وفى الصورة الذهنية للوزير، ومازلنا نحتاج لبعض الوقت حتى نقبل أن تدير السياسة شئون حياتنا، وليس من التعسف فى شىء أن نربط ذلك ونقيسه، على منصب رئيس الجمهورية، فالصورة الذهنية ترسمه لنا قائدا عسكريا مهيبا يحمل النجوم والنسور على كتفيه، خصوصا أن من جاء خالى الكتفين، أقنع الكثيرين بأهمية النجوم والنسور على الأكتاف، فلماذا نغضب من البسطاء الذين يصرخون من أجل الرئيس العسكرى، بينما يقترف الجميع نفس الأمر كل فى مجاله؟ الكل رهن ما عرف والكل مرعوب مما لا يعرف.

 

 

 

 

 

المصدر:الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *