مجموعة سعودي القانونية

أحمد الدرينى يكتب | وزراء في أرض الخوف

23452_414693636067_5561843_n

كلنا مبعوثون في «أرض الخوف».. وأغلبنا فقد الاتصال مع القيادة الأم ويبحر بلا بوصلة.

***

بينما كانت الأخبار تتوالى، مساء السبت، عن حديث السيد حسام عيسى، وزير التعليم العالي، نائب رئيس وزراء حكومة الببلاوي، حول سلوك المشير السيسي في الاجتماعات وكيف أنه «كان يخبط على الطاولة وصوته يعلو في القضايا التي تخص الفقراء والعدالة الاجتماعية»، كنت أشاهد حلقة حوارية تبثها قناة التحرير لعيسى بصحبة الكاتب عبدالله السناوي وضيوف آخرين، بينما يعلو صوت عيسى فيها قائلاً: «الحكومة دي كان فيها رجالة!».

والجملة كانت مُلحقة بسياق يناقض سياق الأخبار المتدفقة على شبكة الإنترنت حينها، فقد قال عيسى: «عملنا على إنجاز مشروع للعدالة الاجتماعية.. واشتغلنا عليه.. بعد كده حد ييجي يقول السيسي هو اللي عمله؟ لا.. الحكومة دي كان فيها رجالة!».

لم أفهم ساعتها هل التسجيل قديم، أم أن الأخبار تلخيص لحلقة أخرى، أم ماذا؟ لكن ثلاثة تصريحات كان قد ثبت نسبتها للسيد نائب رئيس الوزراء حسام عيسى في حواره أو حواراته مع السناوي:

أولًا: السيسي كان يخبط على الطاولة وصوته يعلو في القضايا التي تخص الفقراء والعدالة الاجتماعية.

ثانيًا: السيسي أول رجل دولة مكتمل منذ جمال عبدالناصر.

ثالثًا: لا تنسبوا أفضالنا للسيسي.. فقد كنا رجالًا.

ولم أفك إلى الآن شفرة ما تُسوّل لي نفسي الأمّارة بالسوء أن أحسبه تناقضًا، ولو شعوريًا، بين تصريحات الدكتور حسام وبعضها البعض، ولا بين سلوك الوزير حسام الذي اعتبر أن الخرطوش «بيلسوع» ولا يقتل.

***

هل تريد أن يتعقّد المشهد الدرامي قليلاً؟ حسنًا.. ففي صباح 26 فبراير جرى التالي..

«في حوالي الساعة السابعة والنصف صباحًا، قامت الشرطة بضرب قنابل الغاز على الأسر الموجودة في المكان، وشوهد قناص فوق الكوبري كان يطلق الرصاص في الهواء، وحدث الهجوم من أفراد الشرطة الذين قاموا بضرب المقيمين في العشش بدبشك السلاح فوق الرأس سواء للرجال أو السيدات، مما أدى لوقوع إصابات عديدة».

المشهد السابق لا يمثل شرطة جيش الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، بل يصف- وفقًا لشهود عيان- سلوك شرطة الاحتلال الوطني في عزبة النخل أثناء تنفيذ عملية إخلاء قسري لخيام إيواء عشرات الأسر المعدومة المشردة.

«… كما قامت الشرطة أيضًا باحتجاز عدد من الرجال، فحسب شهادة السيدتين أم أشرف وأم أيمن من نزلاء العشش : الأمن دخل وضرب قنابل مسيلة، وطرد الأهالي من منطقة العشش، بالإضافة إلى اعتقال 3 أشخاص، وحسب شهادة السيد علي عبدالوهاب، الذي تم احتجازه ثم الإفراج عنه : «تم اعتقالنا عشان بندافع عن ضرب الستات في العشش وتم اعتقالنا فترة في عربية الأمن المركزي وبعد شوية سابونا».

قامت 4 منظمات حقوقية بتوثيق شهادات الضحايا وأصدرتها في بيان عام، اقتطف الفقرات أعلاه منه، وهي الاتحاد الدولي للموئل، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، المركز المصري للإصلاح المدني والتشريعي، المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

لكن وزارة الداخلية لم ترد نفيًا ولا توضيحًا ولا حتى اعتذارًا.

***

«لا تنسبوا أفضالنا للسيسي.. فقد كنا رجالا!»..

صدقني يا سيد حسام، لا ننسب أفضالكم إليه، ولكن ننسب إليكم جزءًا من الوزر الذي يحمله هو!

أليس المشير نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية؟

***

أنا أصدق السيد حسام أن المشير السيسي يحب الفقراء ويثور لأجلهم في مجلس الوزراء ويضرب بقبضته الخشنة على منضدتها الخشبية، غيرة عليهم وحزنًا على أوضاعهم وانحيازًا لهم.

وأنا أصدق انفعال المشير..

لكن قوات الشرطة، التي أفهم أن السيد السيسي مسؤول عن أدائها كنائب للرئيس الوزراء للشؤون الأمنية، تضرب فقراء السيسي بدباشك البنادق، وتعتقل نساءه الثكالى، وتُشرد أسره المعدمة، بينما ربما مازال هو يهوي على منضدة مجلس الوزراء بقبضته لأجل انتزاع حقوق أكثر لهم!

***

في فيلم «أرض الخوف»، يلخص تاجر المخدرات المعلم هدهد عدة تناقضات قيمية في حواره مع الضابط يحيى المنقباوي الذي كان قد تحول إلى تاجر مخدرات أكثر مما بقي ضابطًا: «قتل النفس أصعب شيء، لكن أوقات لازم نقتل. ربنا خلق عبيده كل واحد بهدف، خلقنا تجار مخدرات عشان نبسط الناس، جعلنا أغنياء بس المال دا كله مال ربنا مش مالنا.. جعلنا مسؤولين عنه.. لكن مفيش ورد من غير شوك ولا جنة من غير نار.. ربنا عمل علينا واجبات وأمور لازم نشيلها.. منها إننا أحيانًا لازم نقتل«.

ربما لعبت فلسفة المعلم هدهد دورًا كبيرًا في تهدئة هواجس الضابط المبعوث في مهمة سرية وسط تجار المخدرات، اقتضت أن يكون تاجر مخدرات مثلهم وأن يصبح فاسدًا وقاتلًا، حتى يكشف هذا العالم في نهاية المطاف.

وتبدو لي فلسفة المعلم هدهد أقرب لعقيدة أباطرة الدولة المصرية من قيادات أمنية ومالية «قتل النفس أصعب شيء، لكن أوقات لازم نقتل.. ربنا خلق عبيده كل واحد بهدف».

كان المعلم هدهد بفلسفته الأخلاقية الدينية ذات النظرة الكونية أكثر أبطال أرض الخوف قدرة على تسريب شعور ما للمشاهد بأن كل شيء قد جرى كتابته أزلًا وأننا مسيرون لا مخيرون.

ربما لم يتماسك الضابط يحيى المبعوث في أرض الخوف أمام فلسفة هدهد، ربما سولت له أن يتماهى مع الجريمة بصورة أكبر، بوصفها ضرورة مؤقتة في إطار المهمة السامية المبتعث لها..

***

السيد حسام عيسى وغيره آخرون ممن مضوا وممن سيأتون إلى أرض الخوف، سيتهاوى بنيانهم الأخلاقي أمام فلسفة المعلم هدهد المتحكم في مفاصل الدولة المصرية، ظنًا منهم أن المهمة السامية تقتضي التعايش مع القتل وسفك الدم والتشريد والظلم.

ربما فقد حسام عيسى تواصله مع قناعاته القديمة، كما فقد الضابط يحيى وسائل الاتصال مع قيادات الداخلية والمخابرات وسط المهمة، وربما سيفقد آخرون من بعده مثل ما فقد، لتظل فلسفة المعلم هدهد هي دستور الدولة المصرية.. دستور أرض الخوف.

***

مزج غير مُخِلٍّ بالمعنى:

(السيسي كان يخبط على الطاولة وصوته يعلو في القضايا التي تخص الفقراء والعدالة الاجتماعية)/ (قتل النفس أصعب شيء، لكن أوقات لازم نقتل.. ربنا خلق عبيده كل واحد بهدف).

 

 

 

 

 

 

المصدر:المصرى اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *