عمرو حمزاوى يكتب | استعادة شىء من التمدن إلى السياسة والإعلام
ما هو السبيل إلى استعادة شىء من التمدن إلى النقاش السياسى والإعلامى فى مصر؟ كيف يمكن لنا إعادة الثقة فى فاعلية السياسة وموضوعية الإعلام إلى الكثير من المصريات والمصريين الذين أضحوا يديرون ظهورهم إلى المساحتين إما رفضا أو يأسا؟
إذا توافقنا على أن التمدن فى السياسة يعنى الاعتراف بالتعددية وقبول تنوع الأصوات والآراء والمواقف والإقرار بحق الجميع فى التنافس السلمى على اكتساب ثقة ورضاء المواطن، تصبح استعادة شىء من التمدن هنا مرهونة بإيقاف الترويج الراهن للصوت الواحد، وبالابتعاد عن حملات التخوين والتشويه والتشكيك فى المغردين خارج السرب، ودفع جميع أطراف الحياة السياسية إلى التركيز على أولويات وقضايا الوطن كما تراها ودون انتقاص من حق الآخرين فى صياغة سلم أولويات مختلف وفى مقاربة بعض القضايا من منطلقات متباينة.
إذا توافقنا على أن التمدن فى الإعلام يعنى صناعة ساحات مستقرة للنقاش حول قضايا السياسة ووضعية الدولة ومؤسساتها وأحوال المجتمع وحقوق المواطن وحرياته وظروف معيشته وتشجيع تعددية الآراء والمواقف وتمكين الواقفين فى خانات الأقلية الفكرية ومعارضى السلطة والمغردين خارج السرب من إيصال أصواتهم واجتهاداتهم إلى الناس طالما اتسمت هذه بالطبيعة الديمقراطية والسلمية، تصبح استعادة شىء من التمدن إلى الإعلام متوقفة على تحرير وسائل الإعلام من نمط الملكية العامة أو الخاصة غير المراقبة وغير الشفافة والذى يورط الإعلاميين فى صراعات السلطة والمصالح، ومتوقفة على كف يد الدولة ومؤسساتها أو أصحاب الملكيات الخاصة عن التأثير على المتداول إعلاميا وعلى كيفية تداوله، وعلى تطوير الكفاءة المهنية للإعلاميين ولكافة العاملين بمجال يحتاج أيضا إلى التطوير المؤسسى.
إذا توافقنا على أن الفاعلية فى السياسة تعنى صياغة حلول لأزمات مصر الاقتصادية والاجتماعية والأمنية وللتحديات المرتبطة بالتحول الديمقراطى والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وإنجاز التقدم وطرحها للتداول الحر بين الناس دون إدعاء امتلاك الحقيقة المطلقة إن بمقولات دينية زائفة أو بخطاب وطنى زائف، تصبح استعادة شىء من الفاعلية إلى السياسة مرهونة بتجاوز النخب الحاضرة اليوم بقوة فى الأحزاب والتكتلات والجبهات المختلفة، والدفع بمجموعات جديدة ذات خلفيات مهنية وأكاديمية وأخرى مرتبطة بالقطاع الخاص وبالمجتمع المدنى يوحدها البحث عن حلول والرغبة فى الإنجاز الشخصى والعام دون تخندق حول الإيديولوجيا أو الرغبة فى الزعامة أو مصالح الجهات الأمنية أو تفضيلات الممولين.
إذا توافقنا على أن موضوعية الإعلام تعنى تقديم البحث عن المعلومة وعرضها على حجبها والاجتهاد لمواجهة مواقع المسئولية السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية بكشف حساب دورى للإنجازات وللإخفاقات، تصبح استعادة الموضوعية إلى الإعلام المصرى مرتبطة بمقاومة «توجيهات السلطة» وخطوطها الحمراء، وبالرقابة الذاتية (الإعلاميين) والمؤسسية (وسائل الإعلام) والشعبية (عبر البرلمان والقضاء وجهات عامة متخصصة) على الأهواء والانحيازات التى ترتبها المصالح وبالحيلولة دون انتصارها على المعلومة والحقيقة، وبالامتناع الطوعى (من قبل ملاك وسائل الإعلام وإداراتها والعاملين بها) عن التورط فى الترويج للصوت الواحد وفى تخوين المعارضين أو فرض الصمت على أصواتهم وبتوقع الرقابة الفعالة حال المخالفة.
بعبارة بديلة، لن نعيد التمدن والفاعلية والموضوعية إلى السياسة والإعلام إلا بالانفتاح على عمليات شاملة وطويلة المدى للتغيير المجتمعى والمؤسسى ولتجديد النخب والأفكار والأدوات، وليس ذلك بالأمر اليسير فى مواجهة مصالح السلطة وملاك وسائل الإعلام والنخب التقليدية والمستكينة دوما لثنائية الاستتباع نظير الحماية والعوائد.